.غَيْرَ:
غَيْرَ: اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْإِبْهَامِ، فَلَا تَتَعَرَّفُ مَا لَمْ تَقَعْ بَيْنَ صَدَّيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فِي قَوْلِه:
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الْفَاتِحَة: 7].وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلنَّكِرَةِ (غير)، نَحْوَ:
{فَنَعْمَلُ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الْأَعْرَاف: 53].وَتَقَعُ حَالًا إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا (لَا) وَاسْتِثْنَاءً إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا (إِلَّا) فَتُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ التَّالِي (إِلَّا) فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ.وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95] بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ
{الْقَاعِدُونَ}، أَوِ اسْتِثْنَاءٌ وَأَبْدِلْ، عَلَى حَدّ:
{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [النِّسَاء: 66]، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَبِالْجَرِّ خَارِجَ السَّبْعِ، صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.وَفِي الْمُفْرَدَاتِ لِلرَّاغِب: غَيْرُ تُقَالُ عَلَى أَوْجُهٍ:الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ مَعْنًى بِهِ، نَحْوَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِ قَائِمٍ، أَيْ: لَا قَائِمَ، قَالَ تَعَالَى:
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى} [الْقَصَص: 50]،
{وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزُّخْرُف: 18]:الثَّانِي: بِمَعْنَى (إِلَّا) فَيُسْتَثْنَى بِهَا وَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ، نَحْوَ:
{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الْأَعْرَاف: 85].
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فَاطِرٍ: 3].الثَّالِثُ: لِنَفْيِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا، نَحْوَ: الْمَاءُ إِذَا كَانَ حَارًّا غَيْرُهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النِّسَاء: 56].الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِذَاتٍ، نَحْوَ:
{بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} [الْأَنْعَام: 93]،
{أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الْأَنْعَام: 164]،
{ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} [يُونُسَ: 15].
{يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: 38]. انْتَهَى.
.الْفَاءُ:
الْفَاءُ: تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ:أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، فَتُفِيدُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:أَحَدُهَا: التَّرْتِيبُ وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، مَعْنَوِيًّا كَانَ نَحْوَ:
{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [الْقَصَص: 15] أَوْ ذِكْرِيًّا، وَهُوَ عَطْفٌ مُفَصَّلٌ عَلَى مُجْمَلٍ، نَحْوَ:
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [الْبَقَرَة: 36]،
{سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النِّسَاء: 153].
{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} الْآيَةَ [هُودٍ: 45] وَأَنْكَرَهُ- أَيْ: التَّرْتِيبَ- الْفَرَّاءُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِه:
{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الْأَعْرَاف: 4].وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا.ثَانِيهَا: التَّعْقِيبُ وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنِ التَّرَاخِي فِي نَحْو:
{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الْحَجّ: 63]،
{خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [الْمُؤْمِنُونَ: 14].ثَالِثُهَا: السَّبَبِيَّةُ غَالِبًا وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، نَحْوَ:
{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [الْقَصَص: 15]،
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 37]،
{لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [الْوَاقِعَة: 52- 54].وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ:
{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذَّارِيَات: 26- 27].
{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ} [الذَّارِيَات: 29].
{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ} [الصَّافَّات: 2- 3].الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ وَجْه مَنْ أُوَجِّهُ الْفَاء، نَحْوَ:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ} [الْكَوْثَر: 1- 2]. إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ، وَعَكْسُهُ.الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً لِلْجَوَابِ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونُ شَرْطًا وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء:بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، نَحْوَ:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [الْمَائِدَة: 118].
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَنْعَام: 17].أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا جَامِدٌ، نَحْوَ:
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} [الْكَهْف: 39- 40].
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 28]،
{إِنْ تَبْدُوَا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [الْبَقَرَة: 271].
{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النِّسَاء: 38] أَوْ إِنْشَائِيٌّ، نَحْوَ:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آلِ عِمْرَانَ: 31]،
{فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الْأَنْعَام: 150].وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِه:
{إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الْمُلْك: 30].أَوْ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، نَحْوَ:
{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يُوسُفَ: 77].أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ، نَحْوَ:
{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} [الْمَائِدَة: 54]،
{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 115].وَكَمَا تَرْبِطُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ، نَحْوَ:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِه:
{فَبِشِّرْهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 21].الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ:
{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} [ص: 57]. وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَبَرَ:
{حَمِيمٌ} [ص: 57] وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ.وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ:
{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} [الزُّمَر: 66]. وَغَيْرَهُ
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِه:
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} [الْبَقَرَة: 89].الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ
{كُنْ فَيَكُونُ} [الْبَقَرَة: 117] بِالرَّفْعِ.
.فِي:
فِي: حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ:أَشْهَرُهَا: الظَّرْفِيَّةُ، مَكَانًا أَوْ زَمَانًا مِنْ مَعَانِي (في)، نَحْوَ:
{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الرُّوم: 2- 4] حَقِيقَةً كَالْآيَةِ، أَوْ مَجَازًا، نَحْوَ:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [الْبَقَرَة: 179].
{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} [يُوسُفَ: 7].
{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الْأَعْرَاف: 60].ثَانِيهَا: الْمُصَاحَبَةُ كَـ: (مَعَ) مِنْ مَعَانِي (في)، نَحْوَ:
{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الْأَعْرَاف: 38] أَيْ: مَعَهُمْ.
{فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النَّمْل: 12].ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ مِنْ مَعَانِي (فِي) نَحْوَ:
{فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يُوسُفَ: 32].
{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [النُّور: 14] أَيْ: لِأَجْلِهِ.رَابِعُهَا: الِاسْتِعْلَاءُ مِنْ مَعَانِي (فِي)، نَحْوَ:
{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ: عَلَيْهَا.خَامِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ مِنْ مَعَانِي (في)، نَحْوَ:
{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشُّورَى: 11] أَيْ: بِسَبَبِهِ.سَادِسُهَا: مَعْنَى (إِلَى) مِنْ مَعَانِي (في) نَحْوَ:
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 9] أَيْ: إِلَيْهَا.سَابِعُهَا: مَعْنَى (مِنْ) مِنْ مَعَانِي (في) نَحْوَ:
{يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} [النَّحْل: 89] أَيْ: مِنْهُمْ، بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى.ثَامِنُهَا: مَعْنَى (عَنْ) مِنْ مَعَانِي (في) نَحْوَ:
{فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} [الْإِسْرَاء: 72]، أَيْ: عَنْهَا وَعَنْ مَحَاسِنِهَا.تَاسِعُهَا: الْمُقَايَسَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ مَفْضُولٍ سَابِقٍ وَفَاضِلٍ لَاحِقٍ مِنْ مَعَانِي (في)، نَحْوَ:
{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التَّوْبَة: 38].عَاشِرُهَا: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ مِنْ مَعَانِي (في)، نَحْوَ:
{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هُودٍ: 41] أَيْ: ارْكَبُوهَا.
.قَدْ:
قَدْ: حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ الْخَبَرِيِّ الْمُثْبَتِ، الْمُجَرَّدِ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ، مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُضَارِعًا. وَلَهَا مَعَانٍ:الْأَوَّلُ: التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَاضِي مِنْ مَعَانِي (قد)، نَحْوَ:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1].
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشَّمْس: 9].وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ (إِنَّ) وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إِفَادَةِ التَّوْكِيدِ.الثَّانِي: وَالتَّقْرِيبُ مَعَ الْمَاضِي مِنْ مَعَانِي (قد) أَيْضًا، تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ، فَيَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ الْقَرِيبَ وَالْمَاضِيَ الْبَعِيدَ؛ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَامَ، اخْتَصَّ بِالْقَرِيبِ.قَالَ النُّحَاةُ: وَانْبَنَى عَلَى إِفَادَتِهَا ذَلِكَ أَحْكَامٌ:مِنْهَا مَنْعُ دُخُولِهَا عَلَى لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ، لِأَنَّهُنَّ لِلْحَالِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُقَرِّبُ مَا هُوَ حَاصِلٌ، وَلِأَنَّهُنَّ لَا يُفِدْنَ الزَّمَانَ.وَمِنْهَا: وُجُوبُ دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا: إِمَّا ظَاهِرَةً، نَحْوَ:
{وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} [الْبَقَرَة: 246] أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوَ:
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}،
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يُوسُفَ: 65].
{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النِّسَاء: 90].وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ، وَقَالُوا: لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ، لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ حَالًا بِدُونِ (قَدْ).وَقَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْكَافَيَجِيُّ: مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ غَلَطٌ، سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ (قَدْ) حَالُ الزَّمَانِ، وَالْحَالَ الْمُبَيِّنَ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ، وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى.الْمَعْنَى الثَّالِثُ: التَّقْلِيلُ مَعَ الْمُضَارِعِ مِنْ مَعَانِي (قد). قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ضَرْبَان: تَقْلِيلُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، نَحْوَ: قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ، وَتَقْلِيلُ مُتَعَلِّقِهِ، نَحْوَ:
{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النُّور: 64] أَيْ: أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى.قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّحْقِيقِ. انْتَهَى.وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: إِنَّهَا أُدْخِلَتْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ.الرَّابِعُ: التَّكْثِيرُ مِنْ مَعَانِي (قد)، ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ. وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [الْبَقَرَة: 144] قَالَ: أَيْ رُبَّمَا نَرَى، وَمَعْنَاهُ: تَكْثِيرُ الرُّؤْيَةِ.الْخَامِسُ: التَّوَقُّعُ مِنْ مَعَانِي (قد)، نَحْوَ: (قَدْ يُقْدِمُ الْغَائِبُ) لِمَنْ يَتَوَقَّعُ قُدُومَهُ وَيَنْتَظِرُهُ، وَ(قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ. وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [الْمُجَادَلَة: 1]؛لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ إِجَابَةَ اللَّهِ لِدُعَائِهَا.
.الْكَافُ:
الْكَافُ: حَرْفُ جَرٍّ، لَهُ مَعَانٍ:أَشْهَرُهَا: التَّشْبِيهُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ (الكاف): نَحْوَ:
{وَلَهُ الْجِوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرَّحْمَن: 24].وَالتَّعْلِيلُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ (الكاف): نَحْوَ:
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا} [الْبَقَرَة: 151]. قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ: لِأَجْلِ إِرْسَالِنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ
{فَاذْكُرُونِي} [الْبَقَرَة: 152]،
{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [الْبَقَرَة: 198]. أَيْ: لِأَجْلِ هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ.
{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [الْقَصَص: 82] أَيْ: أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلَاحِهِمْ
{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الْأَعْرَاف: 138].وَالتَّوْكِيدُ: وَهِيَ الزَّائِدَةُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ (الكاف)، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ.قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا زِيدَتْ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَانِيًا.وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْمِثْلِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمِثْلِ وَلَا الْكَافِ، فَنَفَى بِلَيْسَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً، وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، وَإِذَا نَفَيْتَ التَّمَاثُلَ عَنِ الْمِثْلِ، فَلَا مِثْلَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ.وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَام: مِثْلُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الذَّاتُ، كَقَوْلِكَ: مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا، أَيْ: أَنْتَ لَا تَفْعَلُهُ، كَمَا قَالَ:
وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَكَ أَعْنِي بِهِ ** سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِوَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [الْبَقَرَة: 137] أَيْ: بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَا مِثْلَ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَة: لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ.وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وُصِفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْبَشَرُ، فَلَيْسَ تِلْكَ الصِّفَاتُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى.تَنْبِيهٌ:تَرِدُ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى (مِثْلٍ) فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ إِعْرَابٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ.قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 49]: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي (فِيهِ) لِلْكَافِ فِي (كَهَيْئَةٍ) أَيْ: فَأَنْفُخُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُمَاثِلِ، فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الطُّيُورِ. انْتَهَى.مَسْأَلَةٌ:الْكَافُ فِي (ذَلِكَ) أَيْ: فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ وَفُرُوعِهِ وَنَحْوِهِ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ. وَفِي (إِيَّاكَ) قِيلَ: حَرْفٌ، وَقِيلَ: اسْمٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ. وَفِي (أَرَأَيْتَكَ) قِيلَ: حَرْفٌ، وَقِيلَ: اسْمٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، وَقِيلَ: نَصْبٍ، وَالْأَوَّلُ: أَرْجَحُ.